كثرة المواقع الأثرية والطبيعة الجميلة والخلابة في منطقة عفرين، جعلتها من أجمل المناطق في سوريا الحبيبة، ومن أكثرها ازدحاماً في فصلي الربيع والصيف، فصل السياحة والاصطياف والاستجمام، حيث يزورها سنوياً المئات بل الآلاف من السياح والزوار سواءً من داخل القطر أومن خارجه بحثاً عن الراحة والاستجمام والمعرفة.

قلعة سمعان

تقع قلعة سمعان أو كنيسة "سان سيمون" في أقصى النهاية الجنوبية من قسم " شِيرَوا " من جبل ليلون، على بعد نحو 20كم من مدينة عفرين، و 40كم عن حلب. وهي مبنية على نتوء صخري، يبلغ ارتفاعه عن سطح البحر 564م. وكان القديس سمعان قد اختار هذا المكان المنعزل، بقصد التقرب إلى الله للعبادة جريا على عادة الرهبنة عند النصارى حينذاك. ويتصل موقع القلعة في الشمال بامتداد تضاريس سطح الجبل. وتتحدد الجهات الثلاث الأخرى للموقع بجروف صخرية عالية، خاصة من الناحية الغربية، حيث يقدر ارتفاعه هنا بمائة متر.

تطل القلعة من جهة الغرب على سهل جومه "عفرين" الفسيح، الذي يخترقه نهر عفرين من شماله إلى جنوبه، ويؤطر هذا المشهد في أقصى الغرب جبل "الآمانوس" لتشكل لوحة طبيعية رائعة، خاصة وقت الغروب. فللغروب في القلعة جمال خاص. وعلى حد قول الأب "قوشاقجي"، فإن هذا الجمال الطبيعي الأخاذ كان يؤجج نار الإيمان في قلب مار سمعان مع كل إطلالة شمس وغروبها، وهو فوق عموده يتأمل الطبيعة المدهشة من حوله.


           


          

 

 تاريخ بناء الكنيسة "القلعة"

تعتبر كنيسة مار سمعان من أكبر كنائس العالم. فقد اتخذ البناؤون من عمود "مار سمعان" مركزا لبنائها الذي أخذ شكل صليب، ذراعه الشرقي أطول قليلا من الأذرع الثلاثة الأخرى المتساوية. تبلغ مساحة الكنيسة 5000م2. بدئ العمل ببنائها عام 476م، وتم الانتهاء منها سنة 490م. ثم أضيفت إلى الكنيسة الملحقات التالية: الدير الكبير، وبيت المعمودية، والمقبرة، وبعض دور السكن لطلاب العلم، وفنادق للضيوف، حتى بلغت المساحة الإجمالية للبناء 12000م2. وفي عامي 528 و 536م، وقعت زلازل شديدة في المنطقة، فألحقت ضررا كبيرا بالكنيسة، وربما كان سقوط سقفها الخشبي من ذاك الزلزال.

بقيت الكنيسة بيد أصحابها المسيحيين مقابل دفع الجزية، فسيطر عليها البيزنطيون مجددا في أواسط القرن العاشر الميلادي، حينما انتصر القائد "نقفور" على الحمدانيين في حلب عام 970م، فبنى حولها سورا قويا مدعما بـ 27 برجا. فتحولت الكنيسة وملحقاتها إلى قلعة عسكرية حصينة، في منطقة حربية حدودية بين البيزنطيين والمسلمين، وعرفت من يومها بقلعة سمعان.

مرت قلعة سمعان بالأحوال التالية:

في سنة 983 م، في عهد سعد الدولة الحمداني، مر بها الجيش البيزنطي متراجعا عن حلب، ففتحها، وخرب ديرها وكان بناءً عظيما وحصنا قويا. وفي عام 985م، استولى عليها سعد الدولة بن سيف الدولة لفترة وجيزة.

في عام 1017م سيطر الفاطميون عليها. وفي القرنين الحادي عشر والثاني عشر تحولت المنطقة إلى منطقة صراع بين القوى المتنازعة على مناطق حلب، وإنطاكية؛ بين البيزنطيين والصليبيين والزنكيين ثم الأيوبيين، ومن بعدهم المماليك والعثمانيون.

في غمرة هذه الأحداث العسكرية والفوضى العامة، تراجعت الأهمية الحربية للقلعة، فهجرت تدريجيا، إلى القرن السادس عشر، ، فأضاف في الضلع الشرقي من الكنيسة طابقين . وظلت هكذا  والاعتناء بها كمعلمة أثرية تاريخية شديدة الأهمية. إذ يزور القلعة سنويا عشرات الآلاف من الزوار والسياح من كافة أنحاء العالم.


           


           

 

قرية دير سمعان " تيلانيسوس "

بعدما توفي مار سمعان العمودي، اكتسبت المنطقة بفضله شهرة ومكانة دينية مرموقة. فتحولت هذه القرية إلى مدينة للرهبان، وبنيت فيها ثلاثة أديرة، لكل منها كنيستها والملحقات الأخرى للدير. كما بنيت الفنادق لاستقبال الحجاج وكبار الضيوف الذين ظلوا يفدون إليها حتى القرن الحادي عشر للميلاد.

في العصر البيزنطي، كانت قرية تيلانيسوس، مركزا معروفا للعلوم الدينية المسيحية من جهة، ومنتجعا للأغنياء من أهل انطاكية من جهة أخرى. كما كانت ملجأ آمنا للمتهربين من دفع الضرائب، وتأدية الخدمة العسكرية. فانتعشت المدينة كثيرا خاصة في القرن الخامس وبداية السادس الميلادي، لوقوعها على طريق أفاميا وسيروس، مما دعا إلى الإكثار من إنشاء الفنادق والمضافات لكبار الزوار.

كما تعرضت المنطقة لزلازل كبيرة أتت على مبانيها، والبناء الوحيد الذي بقي سالما نوعا ما، إلى يومنا هذا، هو الدير الصغير الموجود في الجهة الجنوبية للقرية، الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 550م تخليدا لذكرى مار سمعان.

 ومدينة تيلانيسوس أو قرية " دير سمعان " لا تبعد سوى 500م عن القلعة، الأمر الذي لا يدع مجالا للشك بأنها شهدت نفس الأحداث والمراحل التي حلت بالقلعة، فآل مصيرها إلى الخراب هي الأخرى في فترة إهمال القلعة خلال القرنين11 و12 الميلاديين. وهي الآن قرية صغيرة تنتشر دورها الإسمنتية الريفية بين أطلال المدينة القديمة في تمازج مثير للتنافر، ما بين قديم أصيل مرفه، وجديد لا يأبه كثيرا بماضي " تلانيسوس " ذات الشهرة الكبيرة في العهود الغابرة.

مجموعة صور من أثار قلعة سمعان


       


        


       



5/1/2011


إعداد وتنفيذ :  لقمان شمو كالو 

مخطوطات الدكتور محمد عبدو علي

تصوير فريد جعفر

www.lokmanafrin.com


  HOME   l   SYRIA   l   AFRIN   l   CONTACT   l   LOKMAN AFRIN

BACK TO HOME PAGE