هو الامتحان الرهيب يلقي بظله وكل ثقله على كاهل المرء
الذي يدرك ـ ولفضائيات تبث من هنا وهناك ـ أن
اجتيازه للخطوط الحمراء إما أن يجز من رقبته أو أن
يبقيه لفترة حبيس جدران تمنع عنه استنشاق أثير مفعم
بالحياة ، ليخرج إلى الوجود جسداً مدمى ، ينأى الناس
عنه ليقينهم أنه امرئ قد لطخ بالعار وربما هجرانه
وانفضاض الخلق من حوله يكمن في خشيتهم على مقاسات
أرجلهم بحيث أنهم يعجزون عن سداد ثمن الأحذية ذات
المقاسات الكبيرة .
يعيش الخارج عن قوانين الشرق صريع وحدته وانفعالاته
فيأفل أثر كلماته في نفوس بعض المذلين الذين كانوا
من خلالها يتلمسون بصيص ضوء . لم تكن شمس الحرية يوماً
دكاً لعروش الممالك والإمارات إنما سبيلاً لتآلف
القلوب وإيجاد اللحمة بين مختلف الشعوب وأسيادهم .
الطفل بمحدودية ملكاته لن ينفع تكبيلنا إياه بالأغلال
ليصبح خاتماً في إصبعنا وكذلك الشعوب لن تنقاد ـ وإن
أظهرت ولاءها للمتنفذين ـ إن كانت السياط تلفح الجلود
والسموم تستشري في الأجساد والأفكار.
كل شيء مباح في الشرق خلا إعمال الفكر وتأطير الحقيقة
، فكلاهما قد انحصر في رهطٍ من علية القوم انبثق من
بين ذواتهم الكريمة أولوا خبرة ودراية في صياغة
الفلسفات وتجميل العهر .
كل الإيديولوجيات قد
صيغت في شرقنا الجريح أنهاراً تروي بساتين اللصوص
لتزهر وتعشب في الرياض والحياض وجنبات النفس وأعطافها
شوكيات تنخز في الأجساد والعقول. تلونت فنوننا
وآدابنا بغمامات الكآبة واليأس ، أصبحنا نعشق الحزن
وقلوبنا تقطر ألماً على فراق البهجة والحبور .