مَنْ هيَ
المرأة ؟؟؟
دُمية ٌ يلهو الرجلُ بها فيلفظها إن دبَّ المللُ في نفسهِ أو أصيبَ
بالوهنِ عقله ؟ أم سلعة ٌ نعرضها في خلواتنا وفضائياتنا لتوقِظَ فينا
ذكورة ً كللتنا بالغارِ ولم تزل ، ذكورة ٌ بذلنا لها ما ملكت وما لم
تملك أيماننا !؟ . هل يسيرنا ربانُ الحكمة فنؤمنَ بمناصفتها إيانا
سفينة الحياة فنوليها قدرها وآدميتها ، أم أننا أصبحنا أسرىً لأهوائنا
وتعسفنا ، فأمسينا ـ وبلا هوادة ـ نمضي في سحقها ، مثلما ألفنا أن نسحق
في أنفسنا ألق الحياة وإشعاعها ؟
ألفيتُ المرأة َفي برعمِ طفولتي كائناً يختلف عني طبعاً واهتماماً
وتكويناً .
في
المدرسة كنت أقاسم ابنة الجيران عروسة الزيت والزعتر
... كنت أدفع عنها أذى الصبية . المضاجع وحدها مَنْ
فرق طراوة أجسادنا وبراءة أحلامنا وصفاء أفكارنا . كنا
نمضي سُحُبَ الأيام في اللهو والقراءة والرسم . لم
يفتنا أن نؤديَ ـ أحياناً ـ أدواراً في مسرحيات أكون
العريس فيها ، فيُحَبَّبُ إليها أن تكون المدللة من
عرائسي . كلانا قد جهل حقيقة الإنجاب وحينما كنا نسأل
الأهل عن مصدر الأولاد ، يفاجئنا تغامزهم وتهامسهم
وإيهامهم بأننا قد أحضرنا من السوق أو من باب المسجد .
أوقعنا ذلك في تيه وتخبط وتساؤل عن إمكانية وجود أسواق
يباع الصبية فيها والبنات !!؟؟ .
حينما تفتقتُ وعياً وذكورة ، أيقنتُ كذباً أبيض مارسه
الأهل فأصبحت أمارس الأبيض منه والأسود على حد سواء ،
لم يُسْتَهْجَنْ ذميمُ خلقي ذاكَ كوني عضوٌ في مجتمعٍ
يُحَبَّذُ الكذبُ فيهِ فيُتَّخَذُ وسيلة َ تعايُش ٍ
بين أفراده .
أدخلني نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وسواهم من عباقرة
الأدب العربي ، عالم المرأة في مكتبة لزميلٍ مدرسي ،
تضمُّ كماً من الروايات وكثيراً من النساء يغفونَ في
طياتها ، وجدت المرأة مخلوقاً وديعاً ، محطماً ، مسلوب
الإرادة ، مُجْهداً في اقتناص آدميتهِ وإفراغ شحناتهِ
، وما أن كنت أستعير رواية حتى أكرر قراءتها ، فتشدني
مشاعر النساء فيها ، بل ومشاهد الغرام التي توقظ فيَّ
رجولتي .
ظننت المرأة في أول الشباب نوعين من البشر ، أحدهما :
يعيش في ثنايا الروايات والقصص والأفلام ، ثانيهما :
يسكن حارتنا ويتنقل بين البيت والسوق والمدرسة ، لمْ
أخفِ حينها غيرتي من سعة دراية الأدباء بشؤونها أو
قربهم من عالمها ، بينما كنت في حذري لمجرد النظر
إليها ، وأني حينما كنت أفاجأ بالجارات يطرقن باب
البيت كنت أتلعثم لمرآهنَّ، فأستعين بالوالدة مرحبة ً
بهن ، والدهشة تتملكني لقدرة أمي على محاورة تلك
المخلوقات اللطيفة ، بينما أسارعُ بالتواري عن الأنظار
محكماً إغلاق باب غرفتي مستلقياً على ظهري معتمداً على
وسادة ٍ تغطي وجهي كنعامة تخفي الرأس إن داهمها الخطر
.
في أواخر السبعينيات من القرن الماضي ، انتصب نزار
قباني في منصة لأمسية شعرية أعدت خصيصاً لمًنْ أجهر
حبه للمرأة مثلما أجهر مؤازرتها ، التفتَ حولهُ ،
فأدهشه ُ امتلاء القاعة بالأنوثة ، وحينما أفصح بأنه
عن حلب قد غاب خمساً وعشرين سنة ، وأنه يُحتمُ شوقاً
ينتاب نساء حلب إليه ، اندفعت الملائكة مصفقة قلوبهنَّ
، يهتفنَ ملء حناجرهنَّ . أدهشتني حينها مفارقة من
علقم بؤسها لعقت مراراً ، فبينما وجدت نزاراً يحاور
الأنثى بأريحية في أشعاره ، دون أن يحجمه النعتُ
بالصدأ تفكيره أو أن يثنيه الوعيد والتنديد بمسلكه ،
وفي حين كانت المواخير فيه والحانات تعج بمن سحقتهم
الأقدارفأطاحت عجلة الفقر بكثير من مبادئهم وقيمهم ،
فإن المجتمع الذي تكاتفت لقهري سلطاته ، قد استشاطني
حقداً وغضباً فغلتِ المراجل ، أحِطْتُ بجملة ٍ من
المحرمات حددتْ علاقتي بالمرأة : " لا تنظر ... لا
تسمع .. لا تفعل .. لا ترافقْ !!.. كانت تعاليم الأسرة
توجهني نحو خلاص فردي ، لقنتني الوالدة ، بأني حينما
أسلك درب المدرسة الثانوية كل صباح وأصادَفُ بالطالبات
يزينهُ ، يُحَتَّمُ علي إعماءٌ لعينيَّ ، لكني وما أن
كنتُ أحاذيهنَّ والجِّدُّ أتصنعهُ بجبين ٍ أقطبهُ
والسيرِ أستقيمهُ برأس مرفوع ٍ وظهرٍ مشدود ، حتى
تدفعني الرغبة أن أسرق من طوّالةٍ حسّانةٍ ملامح وجهها
، فأعيش مع الوجه وصاحبتهِ أحلام يقظةٍ كنتُ أجددها
مراراً كي أبعث الحيوية في نفسي وفي جسدي ، معوضاً
نقصاً فرضهُ علي مجتمعٌ يقمعُ خيرية َالنزعات ، مجتمعٌ
يتقمصُ التعصب والتناقضَ والاستبدادَ من رأسهِ حتى
أخمصِ قدميهْ .