www.lokmanafrin.com

أثار سهل جومه

 

قلعة باسوطه

تقع قرية باسوطه إلى الجنوب على بعد /9 /كم من مدينة عفرين. وهي قرية عامرة وجميلة، تحيط بها وبدورها بساتين أشجار الفواكه، وفيها نبع ماء غزير "15ل/ثا"، يتدفق من أسفل جبل ليلون، الذي يبدو من الشرق والجنوب وكأنه يحضن باسوطه ويحميها. ويمر نهر عفرين من غربها على بعد عدة مئات من الأمتار، ليجتاز مضيقا محصورا بين جبل ليلون من الشرق وجبل بوزيكه في الغرب. أُنشِأ على النهر في هذا الوادي سد تنظيمي في نهاية المضيق بجوار قرية " برج عبدالو". يحيط بها من الشمال والغرب سهل منبسط خصب ينتهي بقرى " وعيندارا وكورزيل جومه".

بنيت قلعة باسوطه على تلة صخرية كبيرة في وسط القرية، يتراوح ارتفاعها بين 40م من الشرق، إلى 50م من الغرب، ليأخذ شكل جرف صخري حاد. ورغم زوال آثار القلعة، إلا أن الناس لا يزالون يسمونها بـ"القلعة". تبلغ مساحة سطح التلة نحو سبعة دونمات، يوحي شكلها بأنها قد انفصلت من جبل ليلون في الأحقاب الجيولوجية القديمة.

- بناء القلعة وتاريخها:

ليس هناك تاريخ معروف لبناء قلعة باسوطه، وجاء أول ذكر لها في كتاب /تاريخ حلب لمحمد بن علي العظيمي 1090 - 1161م/، عن أحداث جرت عام 1145م، وواقعة حربية جرت لصاحب باسوطه".

 ولكنه لم يذكر شيئا عن صاحبها، ولا عن القوم الذين كانوا يعيشوون فيها والدولة التي كانت تتبعها. ويلاحظ من كلامه وجود كيان خاص لباسوطه مستقل عن السلطة الزنكية في حلب. وربما كان صاحبها هذا من سكان المنطقة الأصليين، أو أنه كان قائدا بيزنطيا - صليبيا، نظرا لأن السيطرة على مناطق إنطاكية وسيروس في تلك الفترة كانت تتردد بين المسلمين والبيزنطيين. فقد كان جوسلين صاحب إمارة الرها يسيطر على مناطق كلس ومنطقة عفرين سنة 1145م.

وفي عهد الدولة الأيوبية -أي خلال القرن 12 وبداية 13- سلم الأيوبيون ناحية القصير ومنطقة جومه شمالا إلى الأسرة المندية ، واستمر الأمر في هذه المنطقة بيدها حتى بداية القرن السابع عشر.

ويبدو أن أهمية قلعة باسوطه قد قلت كثيرا في أيام ابن الشحنة 1402 1485م، ليقول عنها في /الدر المنتخب ص127/، إنه قد استولى الخراب على حصن باسوطه في المضيق، وأصبحت قرية غير دافعة ولا مانعة.

أعيد ترميم القلعة منذ القرن السادس عشر، وحكمت قلعة باسوطه في القرون الثلاثة اللاحقة، عائلات  معروفة، وهم آل روباري في النصف الأول من القرن الثامن عشر، ثم آل كنج-أومر آغا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر والربع الأول من القرن التاسع عشر. إلى أن أنهت خطط السلطان محمود الثاني نفوذ معظم العائلات والحكام المحليين في بلاد  بالقتال أو بغيره، فآل مصير قلعة باسوطه من جديد إلى الإهمال والخراب.

كانت أبنية القلعة وخرائبها قائمة حتى أوائل القرن العشرين، إلا أن السكان أكملوا هدم البقية الباقية منها ليبنوا بحجارتها دورا للسكن. فقد استخدم مالكوا قرية عين دارة "من عائلة سفر في حلب" حجارتها في بناء قصر لهم بعين دارة. كما أن آل كنج، بحكم امتلاكهم السابق للقلعة، نقلوا قسما من حجارتها إلى قرية جلمه لاستخدامها في البناء. ولم يبق من القلعة حاليا سوى بضعة أمتار من أساسات سورها الشرقي، وغرفة كبيرة في الطرف الشمالي ألحقت حاليا بمنزل، ويبدو أنها كانت خانا للحيوانات قديما، وهي تستخدم اليوم أيضا لإيواء الحيوانات. وتم مبنى بلدية باسوطه في مكان القلعة حاليا.

وكان في القلعة بئر ماء، ردمت، وخندق واسع يحيط بها، يملأ بالماء أثناء الغزوات والحروب كخط دفاع عنها. كما كان فيها طاحونة مائية في الجهة الشمالية من القلعة.

وتشير التقديرات إلى أن سكان باسوطه في القرن السابع والثامن عشر كان يتراوح بين 2000 3000 نسمة، مقارنة مع مساحة انتشار أبنية القرية قديما.

وتشير المواقع الأثرية الموجودة في جوارها، أن موقع قرية باسوطه ومحيطها كانا عامرين منذ أقدم العصور. فهناك موقعان أثريان في الشمال الغربي منها قرب نهر عفرين، الأول، تل باسوطه، تتناثر عليه الكثير من الأدوات الحجرية الصوانية، ويعود تاريخه إلى العصور الحجرية. والثاني، المسمى كومتك، يعود إلى عصور تالية، تشبه حجارة بنائه، طراز الأبنية الرومانية البيزنطية، حينما كانت باسوطه مركزا إداريا هاما في تلك الفترة. وتظهر بين الحين والآخر أحجار مقابر مندثرة في تلك الأنحاء، يشابه نوع الخط والمسميات المدونة عليها، ما كان موجودا في نهاية العصر العباسي وما بعده، وأغلب الظن أنها تعود إلى الفترتين الزنكية والأيوبية.

موقع عيندارا

يقع موقع عيندارا الأثرى على بعد /1/كم غربي قرية عيندارا الحالية. ومسافة /6/كم جنوبي مدينة عفرين. تحيط به أراض خصبة من جهاته الثلاث، ويمر نهر عفرين بجواره الغربي. وارتفاع موقعه 240م، وارتفاع التل عن محيطه 40م. يخترق الموقع جدول ماء نبع عيندارا، الذي يأخذ مجراه من بحيرتها الصغيرة بجوار الطريق العام الواصل إلى مدينة عفرين، ليصب في نهر عفرين بغزارة 12ل/ثا.

يتألف هذا الموقع الأثرى الهام من قسمين: جنوبي صغير وقديم، وشمالي كبير أقل قدما.

1- القسم الجنوبي: مرتفع صغير من الأرض، تبلغ مساحته /1/ دونم. يقول الأثريون: إنه موقع لقرية زراعية من العصر الحجري الحديث، سكنها الإنسان منذ حوالي عشرة آلاف عام.

لم تجر فيها أعمال تنقيب واسعة، سوى عملية سبر أظهرت بعض الأدوات الصوانية، وأحجار بناء، تعود للعصر الحجري الحديث.

2- القسم الشمالي، يتألف من جزأين:

جنوبي: وهو تل عيندارا المخروطي، تبلغ مساحة سطحه 7500م2. ويسميه الأثريون "المدينة الفوقانية"، وأبرز ما يميز هذا الجزء هو المعبد الأثرى المشهور على جهته الشمالية.

تختلف الآراء حول تاريخ بناء هذا المعبد وبناته، إلا أن معظم الباحثين يرجحون بدايات هورية وحثية للمعبد.

حيث يقول د.شعث، ص 58: إن المعبد مقام على طراز هيلاني " نمط بناء هوري – ميتاني". وقد ساد هذا الشكل من البناء في سوريا الشمالية بين الفترة 1200-700 ق.م "أي قبل الفترة الآرامية".

وبرهنت حفريات عيندارا على وجود صلات حضارية وثيقة ربطت مناطق شمال سوريا بالحضارة الحدثية. يؤكده كتاب دليل حلب السياحي: بأن المعبد حثي ويعود إلى الآلف الأول ق.م. وقد عثر المنقبون في المعبد على كسرات لكتابات هيروغليفية حثية من الألف الأول ق.م، وعلى لوحة للإله عشتار بالحجم الطبيعي، ولكن كما يقول د.أبو عساف "من الفريق الذي عمل في تنقيبات المعبد والتل": إن الزائر للمعبد يتوق إلى معرفة الإله الذي شيد له هذا المعبد وكرس لعبادته، ولكن لم يتم العثور على وثائق كتابية بهذا الخصوص.

ومن المؤكد أن وجود تماثيل الأسود في مدخل المعبد وعلى البوابة وفي محيطها، لايدع مجالا للشك بأنها على نمط بناء الشعوب الجبلية /كما يقول مورتكارت ص229/، الذين كانوا يجهزون أبواب مبانيهم بممرات مزدانة بأسود من الجانبين وحيوانات خرافية، هدفها حماية هذه الأبواب بطريقة سحرية.

وهذا ما يربط بناء المعبد على الأقل بفترة ما قبل عام 1200ق.م، أي فترة وجود الإمبراطورية الحثية. بدلالة المعبد الرئيسي في آلالاخ، الذي تم تزيينه أيضا في مرحلته الأخيرة بتماثيل أسود، نحتت من البازلت، تعود إلى سوية بناء الفترة 1347  1283ق.م. أما أقدم نموذح لمثل هذه التماثيل فكانت قائمة على أبواب قرقميش "جرابلس".

ويحيط بالمعبد سور من العهد البيزنطي مشيد على أنقاض سور يوناني، والمعبد مبني بحجارة بازلتية مزينة بنقوش بارزة تمثل مشاهد دينية وأسطورية، أبرزها صور للأسد المجنح ونقش القدمين الطقوسيين الكبيرين على مدخله. وله مدخلان لكل منهما عتبة مؤلفة من قطعة حجرية واحدة أبعادها 365×270 سم. وكان للمعبد طابق ثان مقام على أعمدة ضخمة قطر الواحد 90 سم.

شمالي: وهو أرض منبسطة بمساحة 280م×180م=50400م2. يطلق عليها الآثاريون المدينة التحتانية.

يقول عنها د.أبو عساف: أنها أحيطت في نهاية الألف الثانية ق.م، بسور وأبراج دفاعية، وكانت للمدينة أربعة أبواب في جهاتها الأربعة. ولايزال بقايا سور المدينة موجودا في الناحية الغربية. إلا أنه لم يجر التنقيب إلا في مكان الباب الشمالي، وبعض أماكن السور الغربي.

أما تاريخ استقرار الإنسان في القسم الشمالي من تل عيندارا بجزأيه الشمالي والجنوبي، فإنه يعود إلى الألف الرابع ق.م، واستمر ذلك حتى العهد العثماني مع فترات انقطاع.

وقد حاولنا جهدنا العثور على مراجع أكثر عمقا وتفصيلا عن تاريخ موقع عيندارا في فترة حكم الشعوب الجبلية، إلا أننا لم نفلح في ذلك، ولهذا السبب سنكتفي بما كتبه د.عساف حول الاستيطان في موقع عيندارا، بدءا بالفترة الآرامية:

- العهدر الآرامي المتأخر 740 530ق.م: عثر من آثار هذه الفترة على مدافن وجرار وبعض الأختام والأواني الفخارية، وأساسات بيوت مجاورة للمعبد من الغرب.

- العهد الأخميني "البارسي" 530 330ق.م: من اللقى الأثرية لهذا العصر، دمى أنثوية للربة عشتار، وتميمة من الحجر البللوري، مثل عليها "أهورامزدا " الإله الزردشتي "الميدي" الممتد مع قرص الشمس المجنح /د.فاروق- أبحاث/. كما عثرت على بقايا معمارية من هذه الفترة فوق أنقاض المعبد.

- العهد اليوناني السلوقي 330 - 80ق.م: كانت المدينة محصنة ومزدهرة في هذه الفترة، حيث عثر على فخار يوناني، وكميات كبيرة من الفضة السلوقية.

- الفترة الرومانية - البيزنطية: لم يعثر في الموقع على آثار تدل على أنه كان مسكونا في هذا العصر. ويبدو أن المركز الإداري للمنطقة في هذه الفترة كان منقولا من عيندارا إلى باسوطه المجاورة.

- العهد الأموي والعباسي: عادت الحياة إلى هذا الموقع من جديد، واشتغل أهلها بالزراعة، فاستخدموا النورج والمحراث الخشبي ذو النصل الحديدي. واستمر ازدهار المدينة بعد خضوعها ثانية للبيزنطيين عام 969م "أيام الدولة الحمدانية"، وظهرت فيها مبان جيدة ومنشآت عامة، ومعاصر للزيتون، وأفران لصناعة الخبز وصهر الحديد. إضافة إلى آثار كنيسة القرية مع العديد من الصلبان البرونزية في الكنيسة والبيوت، وعلى الكثير من أدوات الفلاحة، كالمحاريث والمناجل والمقصات الحديدية وغيرها. ومن أهم اللقى الأثرية كمية من النقود الذهبية البيزنطية في المنازل المحترقة. وكان السور الدفاعي للقرية منيعا بأبراجها القوية في هذا العصر، وأنشئ حصن في الزاوية الجنوبية من التل.

- الفترة السلجوقية: بعد تراجع الحكم البيزنطي أمام السلاجقة في شمالي سوريا منذ عام 1086م، أحرقت القرية البيزنطية في عين دارا، فشملها الدمار، وأقيمت بيوت جديدة فوق أنقاضها، ولكنها هجرت بعد فترة قصيرة، فتحولت القرية إلى أطلال متناثرة، يزرع مكانها الشعير. وقد تم التنقيب في موقع عيندارا، من قبل بعثة وطنية سورية عام 1954. ثم توالت الاكتشافات خلال عدة مواسم عمل، فاكتشف المعبد في أواخر الستينات من القرن العشرين. إن ما يؤلم بعض الأثريين هو الوضع الحالي للمعبد، لتعرضه للإهمال، وعوامل المناخ التي فتت أسوده وتماثيله البازلتية بعد إزالة التراب عنها، وقد نقلت بعض آثاره البازلتية إلى متحف حلب.

قرية گورزيل جومه 

تقع قرية " گورزيل جومه " على مسافة ثلاث كيلومترات شمالي قرية باسوطه. في العصر البيزنطي فقد كانت قرية عامرة، بدليل انتشار الآثار ومعالم السكن القديم فيها على مساحة جغرافية واسعة، حتى جاوز عدد سكانها يزيد أربعة آلاف نسمة.

كانت في العهود الإغريقية مركزا دينيا ومدنيا هاما، فيها كنيسة ودير كبير جدا، يبلغ طوله 70م على بعد 100 متر شمالي النبع. يقع هذا الدير على طريق القوافل المار بالقرية. وكان عمود النسَّاك مقاما شرقي الدير على سفح الجبل.

وازدادت أهميتها كونها معقلا للرهبان، ومصدرا للإشعاع الديني والعلمي على ضفاف نهر عفرين خلال قرون عديدة. فأنجبت في القرن العاشر الميلادي من بين نساكها العموديين، اثنين من البطاركة، هم: البطريرك يوحنا الرابع 910 - 922م، والبطريرك يوحنا السادس 945957م.

ويقول ياقوت الحموي عن گورزيل جومه /في القسم الثاني ص242/، أن "قُرْزَاحِل"، هي من نواحي العمق، وقتل بها مسلم بن قريش العقيلي أمير الشام من قبل سليمان بن قتلميش سنة 1086م.

وقرزيحيل الآن قرية عامرة جميلة، تنتشر منازلها على السفح  الصخري لجبل ليلون، محاطة بالبساتين. سكانها من أكثر جلدا على العمل، وعدد سكانها الآن أكثر من 2000 نسمة.

حصن قيبار

من القرى القديمة والجميلة في سهل جومه. تقع على السفح الغربي لجبل ليلون على مسافة /3/كم شرقي مدينة عفرين. وهي مقسومة بواد، يسمى الشمالي منها "قيبار"،  وقسمها الجنوبي يسمى "عرشي".

هناك مغاور وكهوف واسعة وقديمة في مكان بيادر القرية جنوبي قسم عرشي بعضها متهدم. وتكشف أعمال الحفر هناك عن أساسات ضخمة لأبنية أثرية تدل على سكن قديم، يسبق العهد الإسلامي.

وفي وسط السهل المجاور للقسم الشمالي من القرية المسمى " سهل قيبار", وعلى مسافة 700م إلى الشمال الغربي، توجد تلة وخرائب لبناء قديم، يبدو من ملامحها أنها تعود إلى القرون الوسطى. وأغلب الظن، أنها خرائب لحصن " قيبار" الذي ذكره العظيمي في كتابه /تاريخ حلب في أحداث عام 1030م/، كأحد الثغور في مواجهة الفرنجة، كما ذكر اسم صاحبه "علي قيبار". ويبدو أنه كان لحصن قيبار أهميته حتى أوائل القرن الثالث عشر الميلادي، إذ ذكره ياقوت الحموي أيضا كحصن منيع. وإلى الجنوب الغربي من الحصن على بعد نحو / 1 /كم، موقع آخر "مقر" أو دار علي. وربما كان لدار علي هذا، علاقة بصاحب الحصن المسمى علي.

كانت قيبار في بداية القرن العشرين مركزا للزعامة الإيزدية في هذه المنطقة، ولا يزال نصف سكانها منهم.

تل جنديرس 

تل جنديرس من التلال الأثرية الهامة في منطقة عفرين، تبلغ مساحته /2/ هكتار "400م×500م"، وهو يقع جنوبي البلدة، وقد تم تسجيله تلا أثريا في محافظة حلب تحت رقم 266.

جنديرس الحالية بلدة كبيرة، ومركز لناحية هامة في منطقة عفرين، يحيط بها سهل يموج بأشجار الزيتون، وهي على بعد 20 كم من مدينة عفرين.الحي الجنوبي الحالي المحاذي لتل جنديرس هي القرية الأساسية. وأغلب الظن أنها أقيمت على أنقاض جنديرس القديمة.

تشير المصادر التاريخية، إلى أن موقع التل من الأماكن المأهولة الهامة والقديمة. فهو يقع وسط سهل واسع وخصب، تكثر فيه الينابيع، ولا يبعد عن نهر عفرين سوى 5كم شمالاً. ويمر من الموقع الطريق الرومانية الرئيسية القديمة التي كانت تصل نبي هوري، وانطاكية والأناضول شمالا وشرقا؛ فجعل كل ذلك من موقع تل جنديرس أحد أهم مراكز الاستيطان القديمة في القسم الجنوبي من سهل جومه.

تشير المصادر إلى الأهمية التاريخية لجنديرس القديمة، فقد كانت مهدا للرهبانيات في شمالي سوريا خلال القرون الأولى للميلاد، [ بولس يتيم، ص 16]. وقد أسس فيه أحد تلامذة مار يوليانوس الرهاوي دير جنديرس في أواخر حكم الإمبراطور قسطنطين 306-337م، /ع.حجار، كنيسة سمعان، ص16/. كما وصف ابن شداد جنديرس بما ينبئ عن موقعها وأهميتها السابقة حينما يقول: وبكورة الجومه عيون كبريتية تجري إلى الحمة. والحمة قرية يقال لها حندارس "جندارس"، لها بنيان عجيب، معقود بالحجارة، يأتيها الناس من كل الأماكن، فيسبحون بها للعلل التي تصيبهم، ولايدرى من أين يجيء ماؤها، ولا أين يذهب /الدر المنتخب، ص131/.

ذكر الجغرافي القديم سترابون اسم الموقع خلال العصر الروماني ـ الهلنيستي بشكل (جينداروس)، وهناك من يعتقد أن الموقع مطابق لموقع مدينة كينالوا عاصمة مملكة أونكي/ باتن الحثية في الألف الأول ق.م. وقد مر بها الإمبراطور الآشوري "آشور ناصر بعل الثاني" بجيشه في عام 876ق.م، حينما سار من كركميش إلى عزازوم "اعزاز حالياً ". ثم عبر نهر عفرين وقضى الليل على ضفته الغربية ووصل بعدها إلى كينالوا.     

أما من الناحية الأثارية، فتشير الفخاريات واللقى المكتشفة . وقد بدأت تنقيبات البعثة السورية-الألمانية في سنوات 1993 – 1996، في ثلاث مواضع من التل وكشفت مساحة 2150 م2 منها. وتم اكتشاف خمس سويات بناء أساسية متعاقبة تمتد من منتصف الألف الثاني ق.م إلى أواخر العصر البيزنطي "القرن السادس بعد الميلاد". فالسويتان "1،2" تعودان إلى أوائل الفترة البيزنطية؛ وهي بيوت صغيرة، وتحتوي السويتان "3 و4" على أساسات جدران مجمع معماري ضخم، وتقدم اللقى الفخارية وسرج الزيت والنقود... تأريخاً للطبقات البيزنطية خلال القرن السادس بعد الميلاد. كما اكتشفت كسر فخارية كبيرة تحت السويات الأربعة، ، وكسر زجاجية وسرج زيت تعود بتأريخها إلى أواخر العصر الهلينستي "حوالي 100 ق.م" وتم إثبات هذا التاريخ بواسطة النقود والصور الفخارية التي تمثل آلهة الخمر "ديو نيروس".

كما تشير اللقى المتفرقة من الفخار إلى استمرار السكن فيها حتى أواسط العهد الإسلامي. وفي ثلاثينات القرن العشرين، استقرت قوة من الجيش الفرنسي على القمة الشمالية الشرقية للتل.

وفي عام 1996 وأثناء عملية حفر أساس بناء في موقع البازار شمالي التل بحوالي 200م، ظهرت أدوات وتماثيل من البرونز والمعادن، فاعتبر الأثريون ذلك المكان ورشة صناعية من تلك العهود القديمة.

كما يبدو واضحاً أن السور الأساسي للحصن في المنحدر الغربي الذي يبلغ عرضه على الأقل ثمانية أمتار يعود إلى الألف الثاني ق.م . لذلك يبدو أن مستوطنة تل جنديرس كانت خلال الألف الثاني ق.م على الأقل مدينة حصينة وضخمة.

شيخ الحديد

شيخ الحديد هي الآن بلدة كبيرة، ومركز ناحية، تقع في أقصى الجانب الغربي لمنطقة عفرين على الحدود التركية. فيها نبع ماء غزير، تكثر حوله من الشرق والشمال أساسات أبنية وآبار ودلائل أثرية، لمنشآت مدينة قديمة وهامة، تعود إلى عهود ما قبل الإسلام. لكنها طمرت تحت الدور السكنية، مما حال دون التنقيب فيها وكشف أسرارها.

فقد كانت شيخ الحديد في العهود القديمة قرية منيعة، فيها حصن هام عند مقبرة القرية، ولها كورة، ذكرها ابن الشحنة -ص127- نقلا عن ابن شداد: بأن قرية شيخ الحديد هذه، لها كورة، وهي من أعمال العمق.

"وكان الملك الظاهر بيبرس قد استولى عليها، بعد اتفاق مع الإفرنج عام 1268م". وفي أيام ابن الشحنة كان قد حلّ الخراب بشيخ الحديد وحصنها في سهل الروج الشرقي.

هناك العديد من الكهوف القديمة في البلدة، من أبرزها، كهف "الصفراء". ويقال أن بعض أهالي شيخ الحديد عثروا على لقى أثرية ثمينة في تلك الأماكن، من بينها رقم من الفخار والطين المشوي، عليها نقوش كتابية ورسوم لرأس ثور، وقرد برأسين. أما المدرجات الزراعية القديمة في القرية، ومواسير الماء الفخارية "القساطل" التي تظهر مع الفلاحة، فتدل على أسلوب متقدم للزراعة في حقول شيخ الحديد منذ القديم.

نبي هوري

تقع أطلال مدينة "نبي هوري" في أقصى الزاوية الشمالية الشرقية من منطقة عفرين. على مسافة 45كم، وبينها وبين بلدة بلبل نحو 10كم. وتبعد 2كم عن حدود تركيا في الشمال. يمر نهر صابون بجوار منحدرها الشرقي منها بنحو 1.5كم. يرفده نبع جيرمك غزير المياه، بعد عشرات الأمتار من تفجره.

أما أطلال مدينة نبي هوري القديمة، فتقع على السفحين الشمالي والشرقي لمرتفع جبلي أقيمت عليه قلعة نبي هوري. ويتحدد الموقع من الجنوب بهضاب قليلة الارتفاع مغطاة بأشجار الزيتون. ومن الشمال: تتراءى الطبيعة الجميلة لمنطقة عفرين الواقعة خلف حدود تركيا. ومن الشرق نهر صابون ومن الغرب مرتفعات منطقة عفرين.

تعتبر منطقة نبي هوري من أماكن الاصطياف الجميلة في محافظة حلب، يرتادها مئات المصطافين أسبوعيا، كما تزورها المجموعات السياحية الأجنبية للتعرف على مدينة سيروس وآثارها الرائعة.

أما قلعتها، فلم يبق منها سوى أجزاء من سورها الكبير المضلع ذو الأبعاد 150×200م تقريبا، وبعض أساسات وغرف الأبراج في زوايا سور القلعة، وهي من النموذج المقنطر. يقابل موقع القلعة من الغرب قمة جبلية أخرى، عليها أطلال آثار لحصن تابع للقلعة الأم، ويقال إنه كان يصل بينهما نفق.

ولهذا الموقع الأثرى عدة تسميات. فهو يعرف حاليا بـ "نبي هوري"، وقلعة هوري، أو قلعة نبي هوري. أما الاسم اليوناني للمدينة فهو "سيروس"، كما سميت "آجيا بولس Hagioplis " أي مدينة القديسَين كوزما ودميانوس، وبنيت كنيسة حول قبريهما.

فقد دخلت سيروس المسيحية على يد "سمعان الغيور" الذي بنى فيها كنيسة، ومات ودفن فيها. أما المؤرخون العرب والمسلمون فقد كتبوا اسمها على شكل " قورش" وأحيانا "كورش" نظرا لاختلاف نطق الحرف اللاتيني "C" في الكتابة واللفظ العربيين. ولجميع هذه الأسماء صلة بتاريخ استيطان هذا الموقع وبناء المدينة، والأحداث التي وقعت حولها.

فللاسم "هوري" رواية دينية تقول: بأنه يعود إلى اسم " أوريا بن حنان" أحد قادة النبي داوود قتل في معركة جرت أحداثها في الألف الأول ق.م ودفن فيها، وأحداث قصة النبي داوود مع زوجة أوريا معروفة في الأدب الديني، /الدر المنتخب، ص 225/. فمن المعروف أن مناطق حلب خضعت لداوود لبعض الوقت في بداية الألف الأولى قبل الميلاد … إلى أن انتهى على يد البابليين في سياق التحالف البابلي الميدي وسقوط نينوى.

كما أن "هوري" اسم شعب جبلي قديم سكن جبال زاغروس وطوروس، وله تاريخ معروف في الشرق الأدنى، يغطي نصف الألف الثالثة، وكل الألف الثانية ق.م. وأسسوا الإمبراطورية الميتاهورية الكبيرة في أواسط الألف الثانية ق.م الميلاد، التي حكمت كامل القسم الشمالي من الشرق الأدنى القديم. فهو سلف قديم للشعب العفريني. ولاتزال في منطقة عفرين مواقع أخرى تحمل اسم هوري، مثل: كهوف وخرائب الهوريين قرب قرية جويق، وجبل "هاوار" القريب من اسم هوري.

أما حول الاسم سيروس فتقول بعض المصادر انه اللفظ اليوناني لاسم الملك الفارسي "كورش" وربما يعود وجود المدينة إلى أيامه. أما المعجم الجغرافي السوري، فيقول أنه من اسم مدينة سيرهوس في مكدونيا. وهناك رأي هام يقول: بأن هوري هو شكل محور من اسم الإله الزردشتي "أهورامزدا"، و"نبي" هو من الإله الرافدي "نبو"، فيكون الاسم كاملاً هو "الإله أهورامزدا".

وعن تاريخ بناء المدينة تقول المصادر: انه في الفترة السابقة لليونانيةن كانت هناك مدينة في نفس المكان، وأغلب الاعتقاد أنها كانت موجودة منذ الفترة الهورية. وعلى هذا يكون لاسمها الحالي جذور موغلة في التاريخ  الهوري. أما المدينة الحديثة "سيروس" التي نرى أطلالها اليوم، فقد بناها القائد اليوناني "سلوقس نيكاتور" مؤسس الدولة اليونانية السلوقية في الشرق.

قلعة جانبلاط

تقع هذه القلعة على قمة جبل بارتفاع 850م، تشرف على مدينة أعزاز الوقعة في جنوبها الشرقي بمسافة / 5/كم. والمسافة بين القلعة وسهل مرج دابق نحو 13كم، السهل الذي جرت عليه معركة "مرج دابق" بين العثمانيين والمماليك سنة 1516م، واحتل العثمانيون على أثرها كامل شرقي البحر المتوسط.  أما مدينة كلس التركية فتبعد عنها نحو /7/كم من الجهة الشمالية الشرقية.

تشرف القلعة من الجهتين الشمالية والغربية على حوض نهر عفرين ومرتفعات عفرين، ويمكن مشاهدة أنوار مدينة حلب ليلا على بعد حوالي 40كم منها، أما المسافة بين جبل  ومدينة عفرين فهي حوالي 15كم. والجهات الثلاث لجبل پارسه من الغرب والشمال والشرق شديدة الانحدار، يتعذر الوصول إلى قمته إلا من الجنوب وعبر طريق حراجي صعب.

تبلغ مساحة القمة التي أقيمت عليها القلعة حوالي /4/ هكتارات، تغطيها حاليا الأشجار الحراجية. أما القلعة، وسورها، فقد كانت معالمها الرئيسية قائمة إلى منتصف القرن العشرين. إلا أن أهالي القرى المجاورة، هدموا ما تبقى منها، بقصد استعمال حجارتها في بناء دورهم. والمرافق التي سلمت من الخراب هي ثلاث خزانات للمياه، اثنتان منها: على الحافة الغربية للجرف الصخري بجوار السور، والثالث: هو خزان الماء الرائع الذي يقع في أقصى الطرف الجنوبي من قمة الجبل عند نهاية الانحدار، وهو عبارة عن صهريج أرضي، سقفه مقنطر، يرتفع قليلا عن سطح الأرض، بابه المقنطر يتجه إلى الشمال. أما أبعاد الخزان فهي: الطول 15م، العرض 10م، والارتفاع الحالي يبلغ نحو /8/م، ويصعب معرفته عمقه الحقيقي لتراكم الأتربة والحجارة في قاعه.

يروي أهالي القرى المجاورة أن النزول إلى قاعه كان يتم بأربعين درجة. وتلك الدرجات مركبة على قناطر في وسط الباب، توجد منها حاليا قنطرتان فقط، عليهما 15 درجة. أما جدران الصهريج فلا تزال سليمة ومحتفظة بطبقتها الملساء "زريقة" الحمراء. وعلى الجانب الشرقي للخزان، مقبرة قديمة وزيارة  الخاصة بالإيزديين.

قلعة جبل هاوار

قلعة هاوارتقع في منتصف الجهة الجنوبية لجبل هاوار، في أعلى قمة صخرية ناتئة ووعرة وكثيفة الأشجار. تشرف هذه القمة من الشرق والشمال والغرب على واد شجري قليل العمق. أما من الجنوب فيتعذر الوصول إليها، لشدة الانحدار. وهي تقع جنوبي قرية "جيا" بنحو 1.5كم، ولا تزال أساسات القلعة قائمة على مساحة نحو 2000م2، وهي تقسم الموقع إلى ساحات بناء متنوعة كبيرة وصغيرة مملوءة بالأتربة وبعض أكمة السنديان. حجارة البناء كلسية مشذبة ضخمة، يشير شكل بنائها إلى معالم القرون الأولى للميلاد. أما باب القلعة فيشرف في الغرب على ساحة صخرية ضيقة، في وسطها صهريج عميق للماء محفور في الصخر الأصم. تشرف القلعة على كامل القسم الشمالي من سهل عفرين المعروف اليوم بسهول "عمارا، وجويق " وتبدو "قمة كه لوشكي من بعيد، أعلى نتوء في الحد الجنوبي لجبل هاوار.

 يسمي السيد روجيه ليسكو القلعة باسم "بدرالدين"، ويقول بأنها شهدت قتالا شديدا بين عشيرة آمكان "القزلباش" العلوية، وجيرانهم السنيين من عشائر منطقة عفرين وطوائفهم الدينية، ولم تتوثق هذه المعلومة من قبل. أما نحن من جهتنا فلم نستطع التحقق ذلك منها في المراجع التاريخية، أو بما يتعلق بتاريخ بناء القلعة، واسمها القديم، أو باسم بدرالدين الذي ارتبط بها، والأحداث التي شهدتها.

إعداد الدكتور : محمد عبدو علي

 تنفيذ : لقمان عفرين / لقمان شمو كالو

  HOME   l   AFRIN   l   CONTACT   l   LOKMAN AFRIN

BACK TO HOME PAGE