بهذه العبارات الجميلة افتتح الأستاذ "جمعة عبد القادر"
مؤلف كتاب /"عفرين"، أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات
من القرن العشرين -مشاهد وانطباعات/ حديثه لمراسل موقعنا
(( خاص لقمان عفرين )) الذي زاره في منزله بمدينة "حلب"
وأضاف متحدثاً عن ذكرياته مع أول راديو رآه في حياته
بالقول: «جارنا وصديق والدي العم "مصطفى نعسان" كان في تلك
الفترة هاوياً لاقتناء كل اختراع جديد وباعتبارنا كنا
جيراناً فقد كنت من أول الذين شاهدوا الراديو /المذياع/
الذي اشتراه، والذي تجمع الكثير من الناس حوله أطفالاً
ورجالاً وشيوخاً وهم يتأملون ذلك الصندوق الكرتوني الكبير
المحمول على ظهر الحمار».
وتابع
الأستاذ "جمعة" حديثه: «لقد علم الجميع أنّ الجهاز الذي
جلبه العم "مصطفى" جهاز عجيب وغريب ويستطيع نقل الأصوات من
أماكن بعيدة دون أن يكون في داخله إنسان».
«بعد وصوله إلى البيت كان أمامه وأمام حماره مشوار آخر وهو
جلب البطارية لأنّ الكهرباء لم تكن قد سرت بعد في شرايين
مدينة "عفرين، لقد كانت البطارية مثل بطارية السيارات
تماماً /إطار أسود وسدادات وقطبان على سطحه /، وفوق سطح
داره مد العم "مصطفى" اللاقط /الآنتين/ على عمودين».
وحول مواصفات ذلك الراديو قال وقد تذكر الجهاز بأدق
تفاصيله: «كان عبارة عن صندوق من الخشب اللامع الجميل
الثمين مستطيل الشكل له من الأمام واجهة من القماش وفي
وسطه عين بللورية كانت تُسمى العين الساحرة، وخلف القماش
كان يوجد فراغ أسود مستدير هو مكبر الصوت، أما في القسم
الأسفل من واجهته كانت توجد مجموعة من الخطوط وأرقام
المحطات وعلى طرفي الخطوط والأرقام مفاتيح مدوّرة،
والواجهة كانت مزيّنة بأفاريز من المعدن الأصفر اللامع
وعليها حروف باللغة الأجنبية تحدد اسم الشركة الصانعة، أما
من الخلف فقد كان الجهاز يحتوي على أشرطة كثيرة منها
شريطان غليظان متصلين بالبطارية».
وحول ما جرى في تلك الليلة العجيبة في "عفرين" قال ضاحكاً:
«في تلك الليلة أدار العم "مصطفى" مفتاحاً في يسار الجهاز
فأضاءت الواجهة بألوان جميلة جداً ثم بدأت العين الزجاجية
بالاحمرار ثم أضحت خضراء وبدأت الواجهة القماشية بالاهتزاز
وأخذت تصدر أصواتاً مشوّشة في البداية، ثم أدار مفتاحا
آخر فتحركت إبرة دقيقة على الواجهة مارة فوق تلك الخطوط
والأرقام لتستقر على رقم ما فصدر صوت باللغة العربية ثم
حرك الإبرة فصدر صوت آخر باللغة الأجنبية ثم أغنية وهكذا،
الجميع أصيبوا بالدهشة والاستغراب، يا إلهي أيمكن أن يكون
داخل هذا الصندوق كل هؤلاء الناس!».
.jpg)
«في تلك الليلة أذكر أنّ الغرفة الكبيرة في بيت العم
"مصطفى" قد امتلأت بالجيران والكل جاء ليرى ويسمع تلك
العجبة، أما العم "مصطفى" فقد كان يتحدث عن جهازه العجيب
وكيف أن له عدة موجات وفي كل موجة عشرات المحطات الإذاعية،
أتذكر أيضاً في تلك الليلة أنّ الإبرة استقرت على محطة
كانت تذيع أخباراً عن "فلسطين" وكان العم "مصطفى" يقوم
بدور المترجم للعرب والأكراد الحاضرين، فالعرب لم يكونوا
يعرفون الفصحى والأكراد لم يكونوا يعرفون العربية حينها».