آثار عين داره

يقع موقع عيندارا الأثرى على بعد /1/كم غربي قرية عيندارا الحالية. ومسافة /6/كم جنوبي مدينة عفرين. تحيط به أراض خصبة من جهاته الثلاث، ويمر نهر عفرين بجواره الغربي. وارتفاع موقعه 240م، وارتفاع التل عن محيطه 40م. يخترق الموقع جدول ماء نبع عيندارا، الذي يأخذ مجراه من بحيرتها الصغيرة بجوار الطريق العام الواصل إلى مدينة عفرين، ليصب في نهر عفرين بغزارة 12ل/ثا.

يتألف هذا الموقع الأثرى الهام من قسمين: جنوبي صغير وقديم، وشمالي كبير أقل قدما.

1- القسم الجنوبي: مرتفع صغير من الأرض، تبلغ مساحته /1/ دونم. يقول الأثريون: إنه موقع لقرية زراعية من العصر الحجري الحديث، سكنها الإنسان منذ حوالي عشرة آلاف عام.

لم تجر فيها أعمال تنقيب واسعة، سوى عملية سبر أظهرت بعض الأدوات الصوانية، وأحجار بناء، تعود للعصر الحجري الحديث.

2- القسم الشمالي، يتألف من جزأين:

جنوبي: وهو تل عيندارا المخروطي، تبلغ مساحة سطحه 7500م2. ويسميه الأثريون "المدينة الفوقانية"، وأبرز ما يميز هذا الجزء هو المعبد الأثرى المشهور على جهته الشمالية.

تختلف الآراء حول تاريخ بناء هذا المعبد وبناته، إلا أن معظم الباحثين يرجحون بدايات هورية وحثية للمعبد.

حيث يقول د.شعث، ص 58: إن المعبد مقام على طراز هيلاني " نمط بناء هوري – ميتاني". وقد ساد هذا الشكل من البناء في سوريا الشمالية بين الفترة 1200-700 ق.م "أي قبل الفترة الآرامية".

وبرهنت حفريات عيندارا على وجود صلات حضارية وثيقة ربطت مناطق شمال سوريا بالحضارة الحدثية. يؤكده كتاب دليل حلب السياحي: بأن المعبد حثي ويعود إلى الآلف الأول ق.م. وقد عثر المنقبون في المعبد على كسرات لكتابات هيروغليفية حثية من الألف الأول ق.م، وعلى لوحة للإله عشتار بالحجم الطبيعي، ولكن كما يقول د.أبو عساف "من الفريق الذي عمل في تنقيبات المعبد والتل": إن الزائر للمعبد يتوق إلى معرفة الإله الذي شيد له هذا المعبد وكرس لعبادته، ولكن لم يتم العثور على وثائق كتابية بهذا الخصوص.

ومن المؤكد أن وجود تماثيل الأسود في مدخل المعبد وعلى البوابة وفي محيطها، لايدع مجالا للشك بأنها على نمط بناء الشعوب الجبلية /كما يقول مورتكارت ص229/، الذين كانوا يجهزون أبواب مبانيهم بممرات مزدانة بأسود من الجانبين وحيوانات خرافية، هدفها حماية هذه الأبواب بطريقة سحرية.

وهذا ما يربط بناء المعبد على الأقل بفترة ما قبل عام 1200ق.م، أي فترة وجود الإمبراطورية الحثية. بدلالة المعبد الرئيسي في آلالاخ، الذي تم تزيينه أيضا في مرحلته الأخيرة بتماثيل أسود، نحتت من البازلت، تعود إلى سوية بناء الفترة 1347  1283ق.م. أما أقدم نموذح لمثل هذه التماثيل فكانت قائمة على أبواب قرقميش "جرابلس".

ويحيط بالمعبد سور من العهد البيزنطي مشيد على أنقاض سور يوناني، والمعبد مبني بحجارة بازلتية مزينة بنقوش بارزة تمثل مشاهد دينية وأسطورية، أبرزها صور للأسد المجنح ونقش القدمين الطقوسيين الكبيرين على مدخله. وله مدخلان لكل منهما عتبة مؤلفة من قطعة حجرية واحدة أبعادها 365×270 سم. وكان للمعبد طابق ثان مقام على أعمدة ضخمة قطر الواحد 90 سم.

شمالي: وهو أرض منبسطة بمساحة 280م×180م=50400م2. يطلق عليها الآثاريون المدينة التحتانية.

يقول عنها د.أبو عساف: أنها أحيطت في نهاية الألف الثانية ق.م، بسور وأبراج دفاعية، وكانت للمدينة أربعة أبواب في جهاتها الأربعة. ولايزال بقايا سور المدينة موجودا في الناحية الغربية. إلا أنه لم يجر التنقيب إلا في مكان الباب الشمالي، وبعض أماكن السور الغربي.

أما تاريخ استقرار الإنسان في القسم الشمالي من تل عيندارا بجزأيه الشمالي والجنوبي، فإنه يعود إلى الألف الرابع ق.م، واستمر ذلك حتى العهد العثماني مع فترات انقطاع.

وقد حاولنا جهدنا العثور على مراجع أكثر عمقا وتفصيلا عن تاريخ موقع عيندارا في فترة حكم الشعوب الجبلية، إلا أننا لم نفلح في ذلك، ولهذا السبب سنكتفي بما كتبه د.عساف حول الاستيطان في موقع عيندارا، بدءا بالفترة الآرامية:

- العهدر الآرامي المتأخر 740 530ق.م: عثر من آثار هذه الفترة على مدافن وجرار وبعض الأختام والأواني الفخارية، وأساسات بيوت مجاورة للمعبد من الغرب.

- العهد الأخميني "البارسي" 530 330ق.م: من اللقى الأثرية لهذا العصر، دمى أنثوية للربة عشتار، وتميمة من الحجر البللوري، مثل عليها "أهورامزدا " الإله الزردشتي "الميدي" الممتد مع قرص الشمس المجنح /د.فاروق- أبحاث/. كما عثرت على بقايا معمارية من هذه الفترة فوق أنقاض المعبد.

- العهد اليوناني السلوقي 330 - 80ق.م: كانت المدينة محصنة ومزدهرة في هذه الفترة، حيث عثر على فخار يوناني، وكميات كبيرة من الفضة السلوقية.

- الفترة الرومانية - البيزنطية: لم يعثر في الموقع على آثار تدل على أنه كان مسكونا في هذا العصر. ويبدو أن المركز الإداري للمنطقة في هذه الفترة كان منقولا من عيندارا إلى باسوطه المجاورة.

- العهد الأموي والعباسي: عادت الحياة إلى هذا الموقع من جديد، واشتغل أهلها بالزراعة، فاستخدموا النورج والمحراث الخشبي ذو النصل الحديدي. واستمر ازدهار المدينة بعد خضوعها ثانية للبيزنطيين عام 969م "أيام الدولة الحمدانية"، وظهرت فيها مبان جيدة ومنشآت عامة، ومعاصر للزيتون، وأفران لصناعة الخبز وصهر الحديد. إضافة إلى آثار كنيسة القرية مع العديد من الصلبان البرونزية في الكنيسة والبيوت، وعلى الكثير من أدوات الفلاحة، كالمحاريث والمناجل والمقصات الحديدية وغيرها. ومن أهم اللقى الأثرية كمية من النقود الذهبية البيزنطية في المنازل المحترقة. وكان السور الدفاعي للقرية منيعا بأبراجها القوية في هذا العصر، وأنشئ حصن في الزاوية الجنوبية من التل.

- الفترة السلجوقية: بعد تراجع الحكم البيزنطي أمام السلاجقة في شمالي سوريا منذ عام 1086م، أحرقت القرية البيزنطية في عين دارا، فشملها الدمار، وأقيمت بيوت جديدة فوق أنقاضها، ولكنها هجرت بعد فترة قصيرة، فتحولت القرية إلى أطلال متناثرة، يزرع مكانها الشعير. وقد تم التنقيب في موقع عيندارا، من قبل بعثة وطنية سورية عام 1954. ثم توالت الاكتشافات خلال عدة مواسم عمل، فاكتشف المعبد في أواخر الستينات من القرن العشرين. إن ما يؤلم بعض الأثريين هو الوضع الحالي للمعبد، لتعرضه للإهمال، وعوامل المناخ التي فتت أسوده وتماثيله البازلتية بعد إزالة التراب عنها، وقد نقلت بعض آثاره البازلتية إلى متحف حلب.

       




إعداد وتنفيذ :  لقمان شمو كالو 

مخطوطات الدكتور محمد عبدو علي

www.lokmanafrin.com


  HOME   l   SYRIA   l   AFRIN   l   CONTACT   l   LOKMAN AFRIN

BACK TO HOME PAGE